سايبردودو و تربية الحيوانات في الأقفاص (1-49)

مشاهدات 8442

إضافة الى التفضيلات

تصنيف

كما كانت الحالة بالنسبة للأسمدة الطبيعية و التي ساعدت أجدادنا على الحصول على محصولٍ وفير و التي تحول استخدامها مع الوقت لتنحدر إلى درجة عالية من الخطورة كونها تحتوي على مركبات كيماوية (انظر ملف سايبردودو المخصص لهذا الموضوع) كذلك فإن تربية الحيوانات انتقلت من عدة رؤوس من الماشية كانت العائلة بحاجتها لتأمين قوت يومها إلى مصانع للحوم تحولت فيها هذه الحيوانات إلى بضاعة مُنتَجة كما هي حال غيرها من البضائع.

كيف وصلنا لهذه الحالة؟

تمتع الإنسان و الحيوانات خلال عدة ملايين سنة بظروف معيشية متقاربة إلى حدّ ما، فعلى سبيل المثال: إذا كانت الظروف الجوية حرجة جداً أو إذا ما عمّ التصحر منطقة ما فإن بقاء هذَين النوعين على قيد الحياة كان مهدداً. و كانت العائلات تعتمد على الحيوانات التي تربيها كمصدر أساسي للبروتينات لذا فإن هذه الحيوانات كان تعتبر بمثابة ممتلكات ثمينة جداً لا بدّ من المحافظة عليها.

و في منتصف القرن العشرين عرفت البلدان الصناعية نهضة اقتصادية كبيرة دفعتها لاستبدال الطرق التقليدية في تربية الماشية بطرق جديدة لتكثيف الإنتاج.

و كان ذلك طبعاً بهدف تقديم أفضل أنواع الطعام لأكبر قدر ممكن من الأشخاص. هذا الهدف، الذي كان منطقياً جداً بعد الحرمان الذي عانى منه الجميع مع نهاية الحرب العالمية الثانية، سرعان ما تحول إلى نظام صناعي ينتج "أحياء" دون أي اعتبار لكونها حيوانات و لها العديد من الحاجات.

لكن ما هو الوضع الحالي مع بداية الألفية الثالثة؟

إن تعبير " مصانع اللحوم" يعتبر مناسباً لوصف العديد من المصانع التي تحاول الوصول إلى هدف محدد ألا و هو التقليل بقدر الإمكان من الفترة اللازمة لتربية الحيوانات لكي تتمكن من تسويق "منتجاتها" بأسرع وقت ممكن.

فلنأخذ على سبيل المثال الدجاج البيّاض و التي تحولت إلى "آلات حقيقية للبيض" و التي تعاني بشكل دائم من ظروف المعيشة السيئة في الأقفاص. فعلى سبيل المثال : سنجد إحدى الأنواع الأسيوية (جالوس جالوس) و التي لها هدف واحد في حياتها ألا و هو استمرار النوع. حيث يتمتع الذكر بألوان زاهية يتمكن من خلالها من إغراء الأنثى التي تبني عشها في مكان آمن. و تبيض فيه حوالي من 5 إلى 10 بيضات و ترقد عليهم حوالي الثلاثة أسابيع تحت أنظار و مراقبة الذكر الذي يكون مستعداً للتضحية بحياته للدفاع عن العش ضد أي نوع من المخاطر.

و من ثم، يتساعد الذكر و الأنثى لحماية و تربية الصغار و على تعليمهم كيفية الحصول على الطعام، و على التعرف على البيئة من حولهم، و هو أمر عادي جداً في حياة الحيوانات...

و لنلاحظ الآن ما قام الإنسان بتغييره في دورة حياة هذه الحيوانات في مصانع تربية الحيوانات:

- يتم تجميع الدجاجات في أقفاص بأعداد كبيرة جداً بحيث لا تستطيع هذه الحيوانات أن تتحرك أو حتى أن تفرد جناحيها.

- بما أن قاعدة القفص تكون مصنوعة عادة من مادة معدنية فإن أقدام الدجاجات غالباً ما تتعرض للجروح و التشوهات.

- يتم تجميع هذه الأقفاص فوق بعضها البعض لتشكيل جدران عالية تبلغ عدة أمتار.

- كما يتم إضاءة الأنوار، التي تحدد دورة الإباضة، من 12 إلى 16 ساعة يومياً.

- إن تجميع أعداد كبيرة من الحيوانات في أماكن صغيرة يتطلب في نفس الوقت معالجتها بمضادات حيوية و بشكل شبه اتوماتيكي.

- يولّد هذا الاختلاط تصرفات عدائية، لذا يتم عادة قطع منقار الدجاجات لكي لا تقوم بجرح بعضها البعض.

- بما أ الذكور لا تمثل أي أهمية في عملية الإنتاج لذا يتم قتلها عند التفقيس.

- و غيرها من التصرفات المروعة...
 

هذه النظرة الصناعية للدجاجات تسمح بالحصول على 300 بيضة من كل دجاجة خلال العام الواحد تقريباً قبل أن يتم التخلص منها من خلال "تكريرها" ببيع لحمها أو ما تبقى منها...

يجب أن يتم إنتاج البيوض مع احترام كاملٍ للحيوانات التي تنتجها

و لا يجب أن ننسى أن المشكلة لا تنتهي مع الدجاج البيّاض بل تتعداها لتشمل أنواعا ً أخرى من الحيوانات التي تعامل هي أيضا َ كـآلات كما هو الحال لدى الدجاج العادي الذي يتم تربيته من أجل لحمه و التي يعمل مربوها على تسمينها بأسرع وقت ممكن، إذ بقدر ما يتم تسمينها بسرعة في مساحة صغيرة بقدر ما تكون عائدات ربحها أكبر.

فعملية ترك الصوص ينمو بشكل طبيعي أصبح من الماضي، أما الآن فيتم استخدام أنواع تتمتع بجينات تساعدها على النمو السريع و يتم تغذيتها بمواد غنية جدا ً و لا يتم السماح لها بالحراك كثيرا ً مما يسمح "بتصنيع" دجاجة صالحة للأكل في أقل من شهر و نصف.

و بالطبع لا داع ٍ للتذكير أن هذه "الكفاءة" بالإنتاج سوف تكون على حساب هذا الحيوان و على حساب حياته القصيرة التي سيعيشها في ظروف حزينة (العديد من الدجاج يموت قبل أن يأتي موعد الذبح)، كما أن ذلك يتم أيضا ً على حساب نوعية اللحوم التي يقل حجمها بشكل غريب عند الطهي.

و الحال نفسها بالنسبة للخنازير التي لا تجد حتى مكانا ً كافيا ً لكي تستدير، و كذلك الأبقار التي تحولت إلى "مصانع للحليب" بالإضافة إلى العجول التي يُتعمد إصابتها بفقر الدم (نتيجة نقص الحديد) لكي يكون لون لحمها أبيضا ً و هو ما يبحث عنه المُستهلكون.

ما هي النتائج المترتبة على الإنسان؟

لا بد من أن نفهم سريعا ً أن التربية المكثفة للحيوانات تعني معاملتها كسلعة و ليس ككائنات حيّة. و إلا لكان من المستحيل أن نسبب لها كل هذه الآلام. و من المهم أن نفهم أيضا ً أن هذا له آثار سلبية كبيرة على الإنسان، فعلى سبيل المثال:

كمية الغذاء المتوفرة:

إن عدد رؤوس الماشية الموجود حاليا ً على سطح الأرض يتجاوز المليار، كما أن كمية الغذاء التي يحتاجها هذا العدد من الماشية تعتبر كبيرة جدا ً بالمقارنة مع المليار من البشر الذين لا يجدون ما يأكلون. يعتبر تناول اللحوم بمثابة نوع من الرفاهية تتمتع بها الدول الغنية لكن الدول الفقيرة هي التي تدفع الثمن.

إن تزايد عدد السكان في العالم يتطلب تأمين كمية معينة من الغذاء لكل فرد و بالتالي لا بد من التفكير مليا ً بذلك و من محاولة إيجاد حلول شاملة.

يعتبر إنتاج البروتينات الحيوانية مكلف جداً...

غازات مفعول الدفيئة

تولد قطعان الماشية غازات الميتان أثناء هضمها و هو أحد أكثر الغازات المسؤولة عن مفعول الدفيئة (انظر الملف المخصص لذلك). و يقدر بعض المختصون أنه مع بداية القرن الواحد و العشرون، تسبب قطعان الماشية منفردة ما يقارب خمس ما تولّده العوامل الأخرى من غازات مفعول الدفيئة.

تلوث المياه

إن التربية الصناعية للحيوانات تولّد كميات كبيرة من الفضلات، كما هو الحال مثلاً بالنسبة للخنازير و التي تؤدي فضلاتها إلى تلويث المياه الجوفية (انظر الملف المخصص لذلك) و تلويث مجاري الأنهار (عبر ما يسمى بظاهرة التتريف أو التأجين أو الإتخامية أو (Eutrophication) هي عملية زيادة في المواد الغذائية الكيميائية مثل المركبات المحتوية على النيتروجين و الفسفور في نظام بيئي ما سواء كان في الماء أو على اليابسة. و من آثارها النقص في نسبة الأوكسجين و الانخفاض الحاد في نوعية المياه وفي عدد الأسماك وعدد من الكائنات الأخرى التي تعيش في المياه.)

إفقار السلالات الوراثية

كما أن التربية المكثفة للحيوانات تؤدي إلى إفقار التنوع الجيني للأنواع المختلفة لأننا نقوم بتربية سلالات معينة من الحيوانات التي تحتوي على صفات جينية معينة و نهمل الحيوانات التي لا تحمل الجينات المطلوبة مع العلم أنها مهمة للتنوع الحيوي. و هذه الظاهرة تعد العامل الرئيسي لانتشار الأوبئة (الأمراض الحيوانية المنشأ ذات القابلية للانتقال للإنسان).

عدم فاعلية المضادات الحيوية

إن التربية الكثيفة للحيوانات تؤدي إلى اللجوء المتزايد لاستخدام المضادات الحيوية في تربيتها و بشكل مكثف و وقائي. هذه المضادات الحيوية تنتقل عبر لحوم الحيوانات و المنتجات الأخرى التي يستهلكها الإنسان إلى جسمنا و تساهم في تقليص تجاوب جسم الإنسان مع المضادات الحيوية.

نوعية الطعام

لا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن التلاعب بحياة هذه الكائنات و اللجوء إلى التربية الصناعية و التربية المكثفة لتسريع عملية نمو الحيوانات لها نتائج على نوعية اللحوم، الحليب، البيض، و غيرها من المنتجات التي تحوي على العديد من الدهون و بالتالي أكثر ضرراً بصحة الإنسان.

خاتمة

إن سوء معاملة الحيوانات هو أمر غير مقبول حتى و لو كانت مخصصة للاستهلاك.

إن تحدي إطعام مليارات البشر في وقتنا الحالي يعتبر من أصعب الامتحانات التي تواجهها البشرية في وقتنا الحالي. و هذا يتطلب تنسيق كافة الجهود للسياسات الزراعية على المستوى الدولي لكي يتم إعادة توزيع ما هو فائض عن الدول الغنية لسداد الحاجات الذريعة للدول الفقيرة.

و لمرة أخرى تعود كلمة الاحترام إلى الواجهة، احترام الحيوانات، احترام الإنسان، احترام البيئة، احترام أجيال المستقبل.

لأن الحياة عبارة عن سلسلة ترتبط صلابتها بشكل كبير بالمخاطر التي تحدق بها كل يوم من قبل الأشخاص الذين يعاملون الحيوانات كسلعة للبيع.

لرؤية الرسوم المتحركة المخصصة لتربية الحيوانات في الأقفاص، انقر هنا

للقيام بالاختبار المخصص لتربية الحيوانات في الأقفاص ، انقر هنا

من أجل لعبة الإنتاج المكثّف، انقر هنا